أبى السودانيون الا أن يحتفلو بالمولد النبوي الشريف رغم ألام وويلات الحرب التي تعيشها البلاد، ووسط صوت الرصاص ونيران المدافع علت أنوار المولد و صدحت الحناجر بالمدائح النبوية وغطت نفحات البخور على رائحة الدخان المتصاعد في مشهد يعكس تعطشهم للحياة من جديد وتمسكهم بالأمل رغم الحرب.
خصوصية المولد في السودان
ظلّ الاحتفال بالمولد النبوي في السودان يحمل نكهة متفرّدة عن أي مكان آخر. تتحوّل الساحات الشعبية والزوايا الصوفية إلى لوحات مضيئة بالأعلام الخضراء والزينة، فيما تصدح الحلقات بمدائح الحُب والشوق للرسول عليه الصلاة والسلام. وتنتشر ألعاب الأطفال، وتباع “حلاوة المولد” لأسابيع، لتغدو المناسبة كرنفالًا شعبيًا يجسّد عمق الروح السودانية وارتباطها بالتصوف والذكر الجماعي.
احتفالات رغم الحرب
لكن هذه الطقوس التي كانت تملأ شوارع السودان بالأنوار والبهجة، تراجعت في السنوات الأخيرة تحت وطأة الحرب. غابت الكثير من مظاهر الزفة، وانطفأت الدفوف التي كانت تُعلن قدوم المولد وبقيت بعض مظاهر الاحتفال حية في عدد من المدن السودانية ، أبرزها ميدان الخليفة بأم درمان، الذي استعاد “زفة المولد” بزخم أقل من المعتاد، لكنه حمل رمزية قوية على عودة الحياة.
ويقول الدكتور عبد المحمود أبو، الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، إن الاحتفال بالمولد عاد بعد توقف دام عامين بسبب الحرب، مؤكداً أن هذه الطقوس تمثل جزءاً من الحياة العامة التي لا يمكن التخلي عنها.
ويرى الباحث الاجتماعي الطيب محمد الحسن أن إصرار السودانيين على الاحتفال بالمولد في قلب الحرب يتجاوز كونه طقساً دينياً، بل هو “آلية مقاومة رمزية”، حيث يحتمي المجتمع بطقوسه ويؤكد وحدته في مواجهة الانقسام.
ويضيف أن المولد يمثل فضاءً اجتماعياً واقتصادياً يلتقي فيه الجميع، من شيوخ الطرق إلى الباعة الصغار، ومن النساء والأطفال إلى الشباب، ليصبح مساحة جامعة تختصر معنى الصمود الشعبي.
التمسك بالحياة في قلب الموت
لم تستطع نيران الحرب في السودان أن تطفئ أنوار المولد، ولم تحجب أصوات المدافع نغمات المدائح.، وكأن السودانيون بإحتفالاتهم هذه السنة بالحبيب المصطفى ، يقفون بصمود ومقاومة في وجه الحرب حاملين في أيديهم وقلوبهم سلاح الأمل بأن الفرح مازال ممكنا.
