عبدالمحسن عبدالله
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
دائما وأبدا الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا ..
أما بعد .. عباد الله .. أوصيكم ونفسي .. اتقوا الله حقَّ التقوى ، وراقِبوه في السر والنجوى .. وقبل البدء صلاة وسلام مباركات على نبينا طه المصطفى الماحي من أدبه ربه فأحسن تأديبه ومن اتقاه قبل أن ينزل عليه الوحي ويصطفيه نبيا علنا للكون بكائناته كافة فتخيره من بين بني آدم رسولا ونبيا وأحبه فكتب اسمه بجواره على العرش وزينه بـ (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له . محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم )) فكانت الشهادة لنا أننا مسلمين لله ورسوله شفيعنا يوم الدين يوم ينادي كل المرسلين يوم الحشر نفسي نفسي وهو عليه السلام ينادي أمتي أمتي رؤفا بنا حريصا على مذنبنا قبل الصالح منا .
رسول الله المولود في يوم الاثنين يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول .. وحين اصطفاه ربه مكثَ ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو للإسلام ، وعشر سنين في المدينة يُعلم الدين ويجاهد في سبيل الله .
عباد الله وأحبتي فيه الله عز وجل كرَّم بني آدم وفضَّلهم على كثيرٍ ممن خلق من كائنات أخرى توازنا للكون والبيئة من حولنا .. فضله تفضيلًا ، واجتبَى من بينهم من خصَّه بالنبوة والرسالة ، واصطفَى سبحانه أفضلَهم نبينا محمدَ بن عبدالله صلى الله عليه وسلم متخيره لهداية الأمة كافة إلى دين الله القويم وصراطه المستقيم ، فكانت حياتُه – عليه الصلاة والسلام – عبادةً وشكرًا، ودعوةً وحلمًا، وابتلاءً وصبرًا، ما من خيرٍ إلا دلَّ الأمة عليه ، وما من شرٍّ إلا حذَّرَها عنه .
من صفاته الإنسانية ويوميات حياته ما علينا أن نحتذي به إذ كان عليه الصلاة والسلام كثير التعبُّد لله ، قائما لله بالطاعة والعبادة خيرَ قيام ، يذكر صحبه عليهم رضوان الله أن قدَميه كانت تتشقَّقُ من طول القيام ، وأنه شفيع أمته النور المقيم بين أمته .. في ركعةٍ واحدةٍ قرأ البقرة وآل عمران والنساء ، وكان جميلَ الصوت في تلاوة القرآن، قال البراء رضي الله عنه: “سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العِشاء :
﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ فما سمعتُ أحدًا أحسنَ صوتًا أو قراءةً منه”؛ متفق عليه، خاشعٌ لله يُصلِّي وفي صدره أزيزٌ كأزيز المِرجَل من البكاء، ولسانُه لا يفتُر عن ذكر الله، قال ابن عمر – رضي الله عنهما: “إن كنَّا لنعُدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائةَ مرةٍ: ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم” .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فُضِّلْتُ على الأنبياء بست: أعطيتُ جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب، وأُحِلَّت لي الغنائم، وجُعِلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأُرْسِلْتُ إلى الخَلق كافة، وخُتِمَ بي النبيون)
رسول الله ونبيه حبيبنا المصطفى .. لاقَى من المِحن والشدائد أشقَّها .. نشأ يتيمًا ، وأُخرِج من بلده ، وحُوصِر في الشِّعبِ ثلاث سنين ، واختفَى في غارٍ، ومات له ستة من الولد، وتبِعَه قومُه في هجرتهِ وقاتلوه ، ومكرَ به أهلُ النفاق ، وحاول اليهود قتله ، وسُقِي السمُّ، وعُمِل له السحر، وشُج رأسه الشريف، وكُسرت رَباعيتُهُ وضُرب بالسيف على عاتقه وكان يقول: «أُخِفتُ في الله وما يُخافُ أحد، وأُوذيتُ في الله وما يُؤذَى أحد» و أعرضَ عن الدنيا ورجا ما عند الله وما عند الله أبقى فكان يقول عليه الصلاة والسلام : «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها » ففارقَ الحياةَ ولم يُخلِّف شيئًا من حُطامها؛ قالت عائشة رضي الله عنها: تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك دينارًا ولا درهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء. وصفَه عليٌّ – رضي الله عنه – بقوله: لم أرَ قبله ولا بعده مثلَه، يقول جابر بن سَمُرة رضي الله عنه: ” رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في ليلةِ إِضْحِيَانٍ فجعلتُ أنظرُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وإلى القمرِ وعليهِ حُلَّةٌ حمراءُ فإذا هو عندي أحسنُ من القمرِ ” صلوا عليه وسلموا تسليما .