في مثل هذا اليوم منذ عامين، شهدت درنة كارثة أطاحت بالبيوت ودمرت القلوب وأفقدت الناس أحبابهم.. كارثة لم ترحم بشرا أو زرعا أو ضرعا أو حجرا.. فكان الدمار في كل مكان، ورائحة الموت تفوح من كل جانب.
جهود إزالة الأنقاض وانتشال الجثث والتنظيف استمرت لأشهر، وجاء الدور على إعادة إعمار النفوس والأحجار، وهنا برز دور القيادة العامة للقوات المسلحة التي أخذت على عاتقها مسؤولية الدعم والإشراف، فنظمت مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار درنة في فبراير الماضي 2023 ، ونجح في جذب وفود من 26 دولة للاستثمار في مشروعات الإعمار.
قرار إنشاء صندوق إعادة إعمار درنة
في ديسمبر 2023 أصدر رئيس الحكومة الليبية، أسامة حماد، قرار بإنشاء «صندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة» من السيول والفيضانات الناجمة عن العاصفة «دانيال»، التي اجتاحت مدينة درنة ومناطق الجبل تلأخضر شرق ليبيا في 10 سبتمبر الماضي
ونص القرارعلى أن «ينشئ صندوق يسمى (صندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة)، تكون مهمته رسم السياسة العامة لإعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة جراء إعصار (دانيال)، وتنفيذ هذه السياسة.
كما نص على إنشاء الصندوق على أن «يتولى إدارة الصندوق مدير تنفيذي من ذوي الخبرة والمؤهلات العليا في مجال الهندسة، ويصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا بتعيينه وتحديد مكافآته».
مهام صندوق إعادة إعمار مدينة درنة
وحددت مواد القرار مهام للمدير التنفيذي للصندوق، حيث يعمل على إدارة شئونه وتصريف أموره، وله أن يتخذ ما يراه لازما من القرارات لتحقيق الأغراض التي أنشئ الصندوق لأجلها، وتمثل أبرزها في: وضع مخطط شامل للمدن والمناطق، وبرنامج الأبنية اللازمة للجهات الحكومية والمرافق العامة، والوحدات السكنية والمحال التجارية بالتعاون والتنسيق مع البيوت الخبرة والمكاتب الاستشارية المحلية والدولية، إقرار الشروط العامة والمواصفات التي يجرى على أساسها إنشاء الأبنية، وطريقة تنفيذ الأعمال، والطريقة التي تتبع في الرسوم وتصميمات الأبنية، واعتماد النماذج التي توضع لها.
بعد إقرار إنشاء الصندوق خصص مجلس النواب 10 مليارات دينار لمشاريع إعادة الإعمار.
بهذا التعاون والتنادي الشعبي والرسمي، تحولت الكارثة إلى محفز لنهضة عمرانية واستثمارية غير مسبوقة، قادها “صندوق التنمية وإعادة الإعمار” تحت قيادة المهندس بلقاسم خليفة حفتر.
عزم القيادة العامة ودلائل التنفيذ
القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر أكد بعد أيام من الكارثة خلال زيارة أجراها للمدينة المنكوبة أنه يجب طي صفحة الماضي بكل مآسيه ويتعين لم الشمل في درنة ، مضيفا “عقدنا العزم على قطع دابر كل من تهاون أو قصر في أداء واجبه أو سولت له نفسه استغلال منصبه”.
وتابع قائلاً إن هذه المحنة تعتبر لحظة تاريخية للتضامن و”لن تغمض لنا عين حتى يحاكم هؤلاء القتلة والمجرمين وكل من شارك في هذه الجريمة”، موضحا أن كارثة درنة تذكر الليبيين بالمليارات المنهوبة والزمرة السياسية الفاسدة.”
وبعد عامين من الكارثة، في مارس الماضي أشاد المشير خليفة حفتر، بجودة تنفيذ المجمع الإداري بمدينة درنة وفق أحدث المعايير الهندسية، مؤكدا أهمية مواصلة العمل بوتيرة عالية للارتقاء بمختلف القطاعات الخدمية في المدينة.
جاء ذلك خلال زيارة للمدينة افتتح خلالها المجمع الإداري بحضور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الحكومة الليبية أسامة حماد.
نهضة قوية في الإعمار
كما أكد وزير الاستثمار بالحكومة الليبية، علي السعيدي القايدي، أن “ليبيا شهدت نهضة قوية في الإعمار، تمثل ركيزة أساسية في مسيرة البناء والتنمية”.
فيما أشار الناشط علي عبدالنبي، إلى أن “درنة لم تكن تعاني فقط من آثار الإعصار، بل من سنوات من الإهمال السابق، إلا أن ما تحقق خلال وقت قصير يعد إنجازاً استثنائياً”، مبينا أن المدينة استكملت معظم مشاريعها الرئيسية في المباني والطرق والبنى التحتية، بل واستضافت أول حدث دولي بتاريخها بطولة “الميني فوتبول” قبل أشهر.
جهود الإعمار
وتتضمن جهود إعمار درنة مشاريع إنشائية كبيرة، منها بناء وحدات سكنية جديدة، وإنشاء جسور لتعزيز البنية التحتية الطرقية، كما يتم العمل على مشروع بناء 2000 وحدة سكنية حديثة تتضمن وسائل الراحة والأمان، مع توفير مرافق ضرورية مثل المدارس والمتاجر والحدائق لتلبية احتياجات السكان، علاوة على إنشاء المركب الجامعي لجامعة درنة بمنطقة الفتائح، إضافة إلى إنشاء كوبري وادي أبو مهبول بين درنة وسوسة، باستخدام نظام إنشائي حديث لتطوير شبكات الطرق الساحلية وتعزيز البنية التحتية في المدينة، إضافة إلى مستشفى
تأتي هذه المشاريع إلى جانب مشاريع البنية التحتية الأخرى من كهرباء وصرف صحي واتصالات وغيرها من المشروعات الحيوية الهامة.
المهندس بلقاسم حفتر رفع عند إعادة الإعمار شعار “من الدمار إلى الإعمار” ليكون نصب عينيه، فأجرى الجولات الميدانية ليلا ونهارا، والتقى بمندوبي ورؤساء الشركات العالمية المتخصصة في مجالات الإعمار المختلفة، وتعاقد وأبرم اتفاقات على مختلف الصعد، حتى تمكن من إعادة الحياة للمدينة الخربة.
نسب الإنجاز
في مثل هذه الأيام من العام الماضي أوضح المهندس بلقاسم حفتر أن العمل في مدينة درنة بدأ مع مطلع العام الحالي 2024، ووصل إلى إنجاز يفوق 70%، ليس ما أخذه السيل فقط، فالمدينة متهالكة من قبل الكارثة ولم تشهد أي صيانة أو تطوير لسنوات، وتولى الصندوق إعمار المباني التعليمية والصحية وشبكة الكهرباء والطرق والبنية التحتية، بصيانة شاملة كاملة وإنشاء أخرى جديدة.
وأضاف أن الصندوق استكمل حتى الآن (في 2024) في درنة نحو ألفي وحدة سكنية وأنشأ 1500 وحدة سكنية بسبب العجز الكامل الكبير بالسكن في مدينة درنة بالأخص.
ولفت حفتر إلى بدء الصندوق في استكمال 20 ألف وحدة سكنية في مدينة بنغازي، بسبب مشكلة السكن في المدينة وتوسع السكاني في المدينة، لتستكمل المشروعات في المدة المتفق عليها.
اليوم ونحن نحيي ذكرى السنة الثانية لإعصار درنة فإن المشروعات التي يشرف عليها الصندوق حققت نسب إنجاز عالية، وبعضها شارف على الاكتمال، فيما اكتمل العمل في الكثير من المشاريع الحيوية الأخرى.
كلمة فخر واعتزاز ودعوة لزيارة المدينة
بعد هذه الجهود التي تستحق أن تكون مثار فخر واعتزاز دعا مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا المهندس بلقاسم حفتر أبناء الشعب الليبي إلى زيارة مدينة درنة، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثانية لكارثة العاصفة المدمرة.
وقال بلقاسم، في بيان له اليوم الخميس، «بهذه المناسبة، نتوجه بدعوة صادقة إلى كل أبناء الشعب الليبي، وكل من شارك في حملة (فزعة خوت) وقت الكارثة، وجميع مؤسسات المجتمع المدني والصحفيين والإعلاميين والمدونين، وكل مواطن مؤمن بالتنمية والإعمار.. ندعوكم جميعا إلى زيارة درنة والوقوف على ما تحقق من إنجازات عظيمة، ما كانت لتتحقق لولا تكاتف الجهود، وصبر أهل درنة، وإيماننا الراسخ بقدرتنا على البناء في أصعب الظروف وأحلكها».
وتابع بلقاسم: «لقد قطعنا وعدا بأن تعود درنة أجمل مما كانت مدينة للأمل والحضارة والإعمار، وها نحن اليوم نوجه رسالة محبة وأمل، نمحو بها ذكريات الحزن والألم، ونحن نرى أهلنا في درنة يعيشون حياة مستقرة وهادئة في مدينة طالما عانت ويلات حُقب أليمة».
واختتم: «في هذه الذكرى، نترحم على أرواح شهداء كارثة دانيال ونسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته، ويجعل ذكراهم نبراسا ينير دربنا، ودافعا لنا لتواصل العمل من أجل أن تكون درنة وليبيا كلها أجمل مما كانت، وذلك وفاء لذكراهم».
درنة بين الإعمار والأمان
اللافت للنظر أن المنطقة التي تشهد هذا النشاط المكثّف للبناء هي ذاتها التي كانت مركزًا للإرهاب والدمار والتفجير والخراب منذ عام 2011.
ولكن التحوّل فيها ناتج عن الأمن الذي فرضته القوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر، منذ أطلق معارك “عملية الكرامة” ضد الجماعات الإرهابية في عام 2014، التي كانت تنشر الفوضى في الشرق والجنوب، ما هيّأ المناخ الجاذب للاستثمار.
ولهذا قدم معاون أمـر المنطقة العسكرية الأمنية درنة العميد عبدالسلام الورفلي، وعدد من الضباط بالمنطقة، “وسام درنة” الممنوح من القائد العام للقوات المسلحة المشير أركان حرب خليفة أبوالقاسم حفتر ، إلـى مدير عام صندوق التنمية و إعادة إعمار ليبيا المهندس بلقاسم خليفة حفتر، وذلك بناء على تعليمات أمر المنطقة العسكرية الأمنية درنة الفريق “عبدالباسط لطفي أبوغريس.
جهود صندوق إعادة الإعمار في درنة أثبتت قدرة الليبيين على تجاوز المحن معاً، وتحويل الكوارث إلى فرص للبناء والتوحيد.
